الدكتور : عماد عطا البياتي
في أحد أيام العمل
توجّب علينا أنا وإثنان من زملائي الأطباء أن نستقل السيارة الخاصة
بالمركز الصحي الذي نعمل فيه للذهاب إلى مدينة أخرى تبعد عنا حوالي مائة
كيلومتر للمشاركة في اجتماع طبي مهم خاص بالمقاطعة التي نعمل ضمنها
ويستغرق هذا الاجتماع وقتاً يمتد من الساعة التاسعة صباحاً إلى الساعة
الرابعة عصراً.
بعد انتهاء الاجتماع
انطلقنا مرّة ثانية متوجهين إلى مدينة أخرى ضمن نفس المقاطعة تبعد عنا
مسافة ستين كيلومتر تقريباً لنستمع إلى محاضرتان طبيتان مهمّتان ألقاها
أساتذة كبار مختصّون في مجال أمراض الدم.
كانت المحاضرة
المسائية الثانية تتحدّث عن مرض فقر الدم بسبب نقص الحديد في الجسم، وكنت
وقت بدء المحاضرة أشعر بالتعب والنعاس الشديدين والملل الكبير ورغبتي في
مضي الوقت بسرعة والعودة إلى البيت للأكل والنوم والراحة والاسترخاء؛ وكنت
أشعر أن معظم الحاضرين يتملكهم مثل شعوري بسبب وقت المحاضرة غير المناسب
في المساء يسبقها يوم عمل طويل ومضني؛ ولكن البروفسور الذي كان يحاضر جلب
انتباهي من أوّل صورة عرضها من خلال جهاز الكومبيوتر وجهاز "الداتاشو" أو
العارض الألكتروني المرتبط به، إن صحّت التسمية.
كانت الصورة الأولى
عبارة عن صورة مسمار صغير وفي أسفله مكتوب وزن المسمار: 5 غرام وحجمه: 8
عقدة، حسب ما أذكر!!. ثم سأل البروفسور: هل يثير انتباهكم هذا
المسمار؟!!.. لم يجب أحد.. ولكنّه استرسل في الكلام وبدأ يوضح كيف أن هذا
المسمار الصغير الذي لا يثير انتباه أحد والذي يزن خمس غرامات يحتوي نفس
الكمية من الحديد التي يحتويها جسم الإنسان البالغ السليم المعافى!!. ثمّ
بدأ بعرض الصور الأخرى شارحاً معها وظائف الحديد في جسم الإنسان.
ذهب النصب والتعب
وتحوّل النعاس إلى جدّ ونشاط وتغيّر حال الملل والكلل وحلّ مكانه الإنتباه
واليقظة والتركيز على كلام البروفسور الممتع الجميل.
وبدأ الخيال يسرح في التفكّر الإيماني الراقي المشوّق البديع.. يا الله.. ما أجمل هذه المعاني التي يتكلّم فيها هذا الرجل؟!.
نعم.. خمس غرامات من
الحديد قد تكون لا قيمة لها عند الغافل ولكنها تعمل في داخل جسم الإنسان
بإعجاز بالغ وتؤدي وظائف غاية في الجمال والروعة والإبداع..
فجلّها يتواجد في
خضاب الدم ويساهم في نقل الأوكسجين من الرئتين إلى جميع أنسجة وخلايا
الجسم ثم نقل ثاني أكسيد الكاربون السام من تلك الأنسجة والخلايا إلى
الرئتين لطرحه خارج الجسم. ثم أن الحديد يدخل كذلك في تركيب الإنزيمات
المتواجدة في المايتوكوندريا وهو الجسم المتواجد داخل كل خلية حية ومسؤول
عن التنفس الخلوي حيث تلعب تلك الإنزيمات دوراً حيوياَ في أكسدة المواد
الغذائية داخل الخلية.
ويدخل
الحديد كذلك في تركيب ميوجلوبين العضلات المسؤول عن تخزين الاوكسجين
لاستخدامه في عملية انقباض العضلات. وللحديد وظائف متعددة مهمة أخرى يطول
وصفها وشرحها وتفصيلها.
[center]يا الله ما أجمل هذه المعاني!!، ويالروعة هذا المسمار المذهل العجيب!!.